فصل: الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.قَوَاعِدُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَطْفِ:

.الْقَاعِدَةُ الْأُولَى:

يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارٍ إِلَى عَطْفِ الْمُفْرَدِ عَلَى مِثْلِهِ وَعَطْفِ الْجُمَلِ:
فَأَمَّا عَطْفُ الْمُفْرَدِ فَفَائِدَتُهُ تَحْصِيلُ مُشَارَكَةِ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ فِي الْإِعْرَابِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ مِثْلُ الْأَوَّلِ فِي فَاعِلِيَّتِهِ أَوْ مَفْعُولِيَّتِهِ لِيَتَّصِلَ الْكَلَامُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ أَوْ حُكْمٌ خَاصٌّ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا في قوله تعالى: {فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} فَمَنْ قَرَأَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْوُجُوهِ كَانَتِ الْأَرْجُلُ مَغْسُولَةً وَمَنْ قَرَأَ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الرُّءُوسِ كَانَتْ مَمْسُوحَةً لَكِنْ خُولِفَ ذَلِكَ لِعَارِضٍ يُرَجِّحُ وَلَا بُدَّ فِي هَذَا مِنْ مُلَاحَظَةِ الْمُشَاكَلَةِ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ فَتَقُولُ جَاءَنِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو لِأَنَّهُمَا مَعْرِفَتَانِ وَلَوْ قُلْتَ جَاءَ زَيْدٌ وَرَجُلٌ لَمْ يَسْتَقِمْ لِكَوْنِ الْمَعْطُوفِ نَكِرَةً نَعَمْ إِنْ تَخَصَّصَ فَقُلْتَ وَرَجُلٌ آخَرُ جَازَ.
وَلِذَا قَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْفَى مِنَ النَّحْوِيِّينَ: وَأَمَّا عَطْفُ الْجُمْلَةِ فَإِنْ كَانَتِ الْأُولَى لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ فَكَمَا سَبَقَ لِأَنَّهَا تَحُلُّ مَحَلَّ الْمُفْرَدِ نَحْوُ مَرَرْتُ بِرَجُلٍ خُلُقُهُ حَسَنٌ وَخُلُقُهُ قَبِيحٌ وَإِنْ كَانَ لَا مَحَلَّ لَهَا نَحْوُ زَيْدٌ أَخُوكَ وَعَمْرٌو صَاحِبُكَ فَفَائِدَةُ الْعَطْفِ الِاشْتِرَاكُ فِي مُقْتَضَى الْحَرْفِ الْعَاطِفِ فَإِنْ كَانَ الْعَطْفُ بِغَيْرِ الْوَاوِ ظَهَرَ لَهُ فَائِدَةٌ مِنَ التَّعْقِيبِ كَالْفَاءِ أَوِ التَّرْتِيبِ كَـ: (ثُمَّ) أَوْ نَفْيِ الْحُكْمِ عَنِ الْبَاقِي كَـ: (لَا).
وَأَمَّا الْوَاوُ فَلَا تُفِيدُ شَيْئًا هُنَا غَيْرَ الْمُشَارَكَةِ فِي الْإِعْرَابِ.
وَقِيلَ: بَلْ تُفِيدُ أَنَّهُمَا كَالنَّظِيرَيْنِ وَالشَّرِيكَيْنِ بِحَيْثُ إِذَا عَلِمَ السَّامِعُ حَالَ الْأَوَّلِ عَسَاهُ أَنْ يَعْرِفَ حَالَ الثَّانِي وَمِنْ ثَمَّةَ صَارَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّ الْقِرَانَ فِي اللَّفْظِ يُوجِبُ القران في الحكم ومن ها هُنَا شَرَطَ الْبَيَانِيُّونَ التَّنَاسُبَ بَيْنَ الْجُمَلِ لِتَظْهَرَ الْفَائِدَةُ حَتَّى إِنَّهُمْ مَنَعُوا عَطْفَ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ وَعَكْسَهُ.
وَنَقَلَهُ الصَّفَّارُ فِي شَرْحِ سِيبَوَيْهِ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ يَقْبُحُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوا الْكَلَامَ الْوَاجِبَ فِي مَوْضِعِ الْمَنْفِيِّ فَيَصِيرُوا قَدْ ضَمُّوا إِلَى الْأَوَّلِ مَا لَيْسَ بِمَعْنَاهُ انْتَهَى وَلِهَذَا مَنَعَ النَّاسُ مِنَ الْوَاوِ فِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْأُولَى خَبَرِيَّةٌ وَالثَّانِيَةُ طَلَبِيَّةٌ وَجَوَّزَهُ ابْنُ الطَّرَاوَةِ لِأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي التَّبَرُّكِ.
وَخَالَفَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ كَابْنِ خَرُوفٍ وَالصَّفَّارِ وَابْنِ عَمْرٍو وَقَالُوا يُعْطَفُ الْأَمْرُ عَلَى الْخَبَرِ وَالنَّهْيُ عَلَى الْأَمْرِ وَالْخَبَرِ قال تعالى {يا أيها الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يعصمك من الناس}، فَعَطَفَ خَبَرًا عَلَى جُمْلَةِ شَرْطٍ وَجُمْلَةَ الشَّرْطِ عَلَى الْأَمْرِ.
وَقَالَ تَعَالَى {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ من المسلمين}.
{وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ من المشركين} فعطف نهيا على خبر.
ومثله {يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين}.
قَالُوا: وَتُعْطَفُ الْجُمْلَةُ عَلَى الْجُمْلَةِ وَلَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ والراسخون في العلم} عَلَى قَوْلِنَا بِالْوَقْفِ عَلَى اللَّهِ وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ اختص به.
وقال: {وأولئك هم الفاسقون} فَإِنَّهُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ بِخَبَرِهَا فَلَا يُوجِبُ الْعَطْفُ الْمُشَارَكَةَ فِيمَا تَتِمُّ بِهِ الْجُمْلَتَانِ الْأُولَيَانِ وَهُوَ الشَّرْطُ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المحصنات ثم لم يأتوا} كَقَوْلِكَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ طَالِقٌ لَا يَتَعَلَّقُ طَلَاقُ الثَّانِيَةِ بِالشَّرْطِ وَعَلَى هَذَا يَخْتَصُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِهِ وَلَا يَرْجِعُ لِمَا تَقَدَّمَهُ وَيَبْقَى الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ غَيْرَ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ بَعْدَ التَّوْبَةِ كَمَا كَانَ قَبْلَهَا.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قلبك ويمح الله الباطل} فإنه عِلَّةٌ تَامَّةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الشَّرْطِ وَلَوْ دَخَلَتْ كَانَ خَتْمُ الْقَلْبِ وَمَحْوُ الْبَاطِلِ مُتَعَلِّقَيْنِ بِالشَّرْطِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَ وُجُودِهِ وَقَدْ عُدِمَ خَتْمُ الْقَلْبِ وَوُجِدَ مَحْوُ الْبَاطِلِ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ خَارِجٌ عَنِ الشَّرْطِ وَإِنَّمَا سَقَطَتِ الْوَاوُ فِي الْخَطِّ وَاللَّفْظُ لَيْسَ لِلْجَزْمِ بَلْ سُقُوطُهُ مِنَ اللَّفْظِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَفِي الْخَطِّ اتِّبَاعًا لِلَّفْظِ كَسُقُوطِهِ فِي قوله تعالى {ويدع الإنسان} وقوله: {سندع الزبانية} وَلِهَذَا وَقَفَ عَلَيْهِ يَعْقُوبُ بِالْوَاوِ نَظَرًا لِلْأَصْلِ وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِغَيْرِ وَاوٍ اتِّبَاعًا لِلْخَطِّ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا ابْتِدَاءُ إِعَادَةِ الِاسْمِ في قوله: {ويمح الله} وَلَوْ كَانَتْ مَعْطُوفَةً عَلَى مَا قَبْلَهَا لَقِيلَ وَيَمْحُ الْبَاطِلَ وَمِثْلُهُ {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرحام ما نشاء}.
وَقَوْلُهُ: {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى من يشاء}.
وَقَوْلُهُ: {قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ولباس التقوى} وَغَيْرُ ذَلِكَ.
قُلْتُ: وَكَثِيرٌ مِنْ هَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ كَلَامَهُمْ فِي الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ وَأَمَّا {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ} وَمَا بَعْدَهُ فَهِيَ لِلِاسْتِئْنَافِ إِذْ لَوْ كَانَتْ لِلْعَطْفِ لَانْتَصَبَ (نُقِرُّ) وجزم (ويتوب) وكذلك فِي {وَالرَّاسِخُونَ} لِلِاسْتِئْنَافِ {وَيَمْحُ اللَّهُ}.
وَقَالَ: الْبَيَانِيُّونَ لِلْجُمْلَةِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
فَالْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهَا بِمَنْزِلَةِ الصِّفَةِ مِنَ الْمَوْصُوفِ وَالتَّأْكِيدِ مِنَ الْمُؤَكَّدِ فَلَا يَدْخُلُهَا عَطْفٌ لِشِدَّةِ الِامْتِزَاجِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ}.
وقوله: {ختم الله على قلوبهم} مع قوله: {لا يؤمنون}.
وكذلك: {يخادعون الله} مع قوله: {وما هم بمؤمنين} فَإِنَّ الْمُخَادَعَةَ لَيْسَتْ شَيْئًا غَيْرَ قَوْلِهِمْ {آمَنَّا} مِنْ غَيْرِ اتِّصَافِهِمْ.
وَقَوْلِهِ: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون} وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ {إِنَّا مَعَكُمْ} أَنَّا لَمْ نُؤْمِنْ وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} خَبَرٌ لِهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ.
وَقَوْلِهِ: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ في أذنيه وقرا}.
وَقَوْلِهِ: {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا ملك كريم} فَإِنَّ كَوْنَهُ مَلِكًا يَنْفِي كَوْنَهُ بَشَرًا فَهِيَ مُؤَكِّدَةٌ لِلْأُولَى.
وَقَوْلِهِ: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مبين}.
وَقوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إلا وحي يوحى}.
وقوله: {إن زلزلة الساعة شيء عظيم} فإنها مؤكدة لقوله: {يا أيها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ}.
وَقَوْلِهِ: {إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لهم} فَإِنَّهَا بَيَانٌ لِلْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ.
وقوله: {إن المتقين في مقام أمين} بَعْدَ قَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تمترون}.
وقوله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} إِذَا جُعِلَتْ {إِنَّا لَا نُضِيعُ} خَبَرًا إِذِ الْخَبَرُ لَا يُعْطَفُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ.
وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} بَعْدَ قوله: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يسمعون}.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يُغَايِرَ مَا قَبْلَهَا وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا نوع من الارتباط بِوَجْهٍ فَلَا عَطْفَ أَيْضًا إِذْ شَرْطُ الْعَطْفِ الْمُشَاكَلَةُ وَهُوَ مَفْقُودٌ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ الذين كفروا سواء عليهم} بعد قوله: {وأولئك هم المفلحون}.
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ حُكْمُ هَذِهِ الْحَالَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا وَاحِدًا أَدَّى إِلَى الْإِلْبَاسِ فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَعْطِفِ الْتَبَسَ حَالَةُ الْمُطَابَقَةِ بِحَالَةِ المغايرة وهلا عطفت الحالة الأولى بِالْحَالَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ تَرْكَ الْعَطْفِ يُوهِمُ الْمُطَابَقَةَ والعطف يوهم عدمها فلما اخْتِيرَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُ عَنْ إِلْبَاسٍ؟
قِيلَ: الْعَاطِفُ يُوهِمُ الْمُلَابَسَةَ بِوَجْهٍ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ بِخِلَافِ سُقُوطِ الْعَاطِفِ فَإِنَّهُ وَإِنْ أَوْهَمَ الْمُطَابَقَةَ إِلَّا أَنَّ أَمْرَهُ وَاضِحٌ فَبِأَدْنَى نَظَرٍ يُعْلَمُ فَزَالَ الْإِلْبَاسُ.
الْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُغَايِرَ مَا قَبْلَهَا لَكِنْ بَيْنَهُمَا نوع ارتباط وهذه هي الَّتِي يَتَوَسَّطُهَا الْعَاطِفُ كَقَوْلِهِ: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ المفلحون} وَقَوْلِهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خالدون}.
فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ سَقَطَ الْعَطْفُ مِنْ {أُولَئِكَ كالأنعام بل هم أضل} وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}؟
قُلْتُ: لِأَنَّ الْغَفْلَةَ شَأْنُ الْأَنْعَامِ فَالْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ كَأَنَّهَا هِيَ الْجُمْلَةُ الْأُولَى فَإِنْ قُلْتَ لِمَ سَقَطَ في قوله: {الله يستهزئ بهم}؟
قُلْتُ: لِأَنَّ الثَّانِيَةَ كَالْمَسْئُولِ عَنْهَا فَنُزِّلَ تَقْدِيرُ السُّؤَالِ مَنْزِلَةَ صَرِيحِهِ.
الْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَكُونَ بِتَقْدِيرِ الِاسْتِئْنَافِ كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لِمَ كَانَ كذا فقيل كذا فهاهنا لَا عَطْفَ أَيْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عشاء يبكون قالوا يا أبانا} وقوله: {فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أإن لنا لأجرا} التَّقْدِيرُ فَمَا قَالُوا أَوْ فَعَلُوا فَأُجِيبَ هَذَا التَّقْدِيرُ بِقَوْلِهِ قَالُوا.

.الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ:

يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ عَطْفِ الِاسْمِ عَلَى مِثْلِهِ وَالْفِعْلِ عَلَى الْفِعْلِ إِلَى أَقْسَامٍ:
الْأَوَّلُ: عَطْفُ الِاسْمِ عَلَى الِاسْمِ وَشَرَطَ ابْنُ عَمْرُونٍ وَصَاحِبُهُ ابْنُ مَالِكٍ فِيهِ أَنْ يَصِحَّ أَنْ يُسْنَدَ أَحَدُهُمَا إِلَى مَا أُسْنِدَ إِلَى الْآخَرِ وَلِهَذَا مَنَعَ أَنْ يَكُونَ {وزوجك} في {اسكن أنت وزوجك} معطوفا على المستكن في أنت وَجَعَلَهُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَرْفُوعٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَلْتَسْكُنْ زَوْجُكَ.
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سوى} لِأَنَّ مِنْ حَقِّ الْمَعْطُوفِ حُلُولَهُ مَحَلَّ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ حُلُولُ زَوْجِكَ مَحَلَّ الضَّمِيرِ لأن فاعل فِعْلِ الْأَمْرِ الْوَاحِدِ الْمُذَكِّرِ نَحْوَ قُمْ لَا يَكُونُ إِلَّا ضَمِيرًا مُسْتَتِرًا فَكَيْفَ يَصِحُّ وُقُوعُ الظَّاهِرِ مَوْقِعَ الْمُضْمَرِ الَّذِي قَبْلَهُ!
وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَثِيرُ الدِّينِ أَبُو حَيَّانَ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ تَقُومُ هِنْدٌ وَزَيْدٌ وَلَا يَصِحُّ مُبَاشَرَةُ زَيْدٍ لِـ: (تَقُومُ) لِتَأْنِيثِهِ.
الثَّانِي: عَطْفُ الْفِعْلِ عَلَى الْفِعْلِ قَالَ ابْنُ عَمْرُونٍ وَغَيْرُهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّفَاقُ زَمَانِهِمَا فَإِنْ خَالَفَ رد إلى الاتفاق بالتأويل لاسيما إِذَا كَانَ لَا يُلْبِسُ وَكَانَتْ مُغَايَرَةُ الصِّيَغِ اتِّسَاعًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وأقاموا الصلاة} عطف الْمَاضِيَ عَلَى الْمُضَارِعِ لِأَنَّهَا مِنْ صِلَةِ الَّذِينَ وَهُوَ يُضَارِعُ الشَّرْطَ لِإِيهَامِهِ وَالْمَاضِي فِي الشَّرْطِ فِي حُكْمِ الْمُسْتَقْبَلِ فَقَدْ تَغَايَرَتِ الصِّيَغُ فِي هَذَا كَمَا تَرَى وَاللَّبْسُ مَأْمُونٌ وَلَا نَظَرَ فِي الْجُمَلِ إِلَى اتِّفَاقِ الْمَعَانِي لِأَنَّ كُلَّ جُمْلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ بِنَفْسِهَا انْتَهَى.
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ} ثم قال {ويجعل لك قصورا}.
وقوله: {ويوم نسير الجبال} ثُمَّ قَالَ {وَحَشَرْنَاهُمْ}.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْفَى: لَا يَتَمَشَّى عَطْفُ الْفِعْلِ عَلَى الْفِعْلِ إِلَّا فِي الْمُضَارِعِ مَنْصُوبًا كَانَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا} أَوْ مَجْزُومًا كَقوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ويؤخركم إلى أجل مسمى}.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ حَكَمْتُمْ بِأَنَّ الْعَاطِفَ مُخْتَصٌّ بِالْمُضَارِعِ وَهُمْ يَقُولُونَ قَامَ زَيْدٌ وَقَعَدَ بَكْرٌ وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} فِيهِ عَطْفُ الْمَاضِي عَلَى الْمَاضِي وَعَطْفُ الدُّعَاءِ عَلَى الدُّعَاءِ!
فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَطْفِ هُنَا أَنْ تَكُونَ لَفْظَتَانِ تَتْبَعُ الثَّانِيَةُ مِنْهُمَا الْأُولَى فِي إِعْرَابِهَا وَإِذَا كَانَتِ اللَّفْظَةُ غَيْرَ مُعَرَّبَةٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ فِيهَا التَّبَعِيَّةُ فَصَحَّ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إِنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا الْعَطْفَ الَّذِي نَقْصِدُهُ الْآنَ وَإِنْ صَحَّ أَنْ يُقَالَ مَعْطُوفَةٌ الْعَطْفَ الَّذِي لَيْسَ لِلْإِتْبَاعِ بَلْ يَكُونُ عَطْفُ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ مِنْ حَيْثُ هُمَا جُمْلَتَانِ وَالْجُمْلَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْإِعْرَابِ إِلَّا أَنْ تَحِلَّ مَحَلَّ الْفَرْدِ وَظَهَرَ أَنَّهُ يَصِحُّ وُقُوعُ الْعَطْفِ عَلَيْهِ وَعَدَمُهُ بِاعْتَبَارَيْنِ.
الثَّالِثُ: عَطْفُ الْفِعْلِ عَلَى الِاسْمِ وَالِاسْمِ عَلَى الْفِعْلِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ إِذَا كَانَ مُقَدَّرًا بِالْفِعْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {صافات ويقبضن} وقوله: {إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله}.
وَاحْتَجَّ الزَّمَخْشَرِيُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَمَلَهُ عَلَى مَعْنَى الْمُصَّدِّقِينَ الَّذِينَ تَصَدَّقُوا.
قَالَ ابْنُ عَمْرُونٍ: وَيَدُلُّ لِعَطْفِ الِاسْمِيَّةِ عَلَى الْفِعْلِيَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ من بينهم فويل للذين كفروا} فعطف {فويل للذين كفروا} وَهِيَ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ عَلَى {فَاخْتَلَفَ} وَهِيَ فِعْلِيَّةٌ بِالْفَاءِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يفقهون} وَقَالَ تَعَالَى {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خافية فأما من أوتي كتابه بيمينه}.
قال وأذن جَازَ عَطْفُ الِاسْمِيَّةِ عَلَى الْفِعْلِيَّةِ بِـ: (أَمْ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أنتم صامتون} إذا لوضع لِلْمُعَادَلَةِ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ أَوْقَعَ الِاسْمِيَّةَ مَوْقِعَ الْفِعْلِيَّةِ نَظَرًا إِلَى الْمَعْنَى (أَصَمَتُّمْ) فَمَا الْمَانِعُ هُنَا وَجَعَلَ ابْنُ مَالِكٍ قَوْلَهُ تَعَالَى {وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ من الحي} عَطْفًا عَلَى {يُخْرِجُ} لِأَنَّ الِاسْمَ فِي تَأْوِيلِ الفعل.
والتحقق مَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ إِنَّهُ عَطَفَ عَلَى: {فَالِقُ الحب والنوى}، ولا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى {يُخْرِجُ} لِأَنَّهُ لَيْسَ تَفْسِيرًا لِقوله: {فَالِقُ الْحَبِّ} فَيُعْطَفُ عَلَى تَفْسِيرِهِ بَلْ هُوَ قَسِيمٌ لَهُ.